printlogo


رقم الخبر: 223637تاریخ: 1401/12/8 00:00
عام على العملیة العسکریة الروسیة..
الإنجازات والإخفاقات والآفاق

عام مرّ على العملیة العسکریة الروسیة الخاصة التی کنا نسمیها فی المرحلة الأولى العملیة العسکریة الروسیة الخاصة فی أوکرانیا، الى أن ضمّت روسیا جمهوریتی لوغانسک ودونییتسک ومقاطعتی زاباروجیا وخیرسون، لیبدأ أصدقاء روسیا بعد الضّم باستخدام مصطلح العملیات العسکریة فی منطقة العملیة العسکریة الروسیة الخاصة، فی حین أن أعداء روسیا لا زالوا یستخدمون منذ البدایة مصطلح الغزو العسکری الروسی لأوکرانیا.
وما بین المصطلحین یبدو أن العملیات العسکریة ستستمر لفترة طویلة من الزمن وفی الحد الأدنى لفترة غیر قصیرة خصوصًا بما یرتبط باعتقاد الغرب الجماعی أن الدعم العسکری لأوکرانیا سیغیّر فی دینامیات المعرکة وسیؤهل أوکرانیا مع الوقت لاستعادة المبادأة وتنظیم الإعمال العسکریة على أساس خطط للهجوم المضاد.
وفی هذا الجانب یعتقد المخططون الغربیون وعلى وجه الخصوص الأمیرکیون أن الهجوم المضاد باتجاه شبه جزیرة القرم أسهل من الهجوم المضاد باتجاه الدونباس.
بدایة لا بد من القول إن المواجهة الدائرة وإن کانت محدودة الجغرافیا إلاّ أنّها المعرکة الرئیسیة من سلسلة المعارک التی تُخاض فی مواجهة الغرب الجماعی، فلم یعد خافیًا بعد بدء العملیة وعبر ما صرّح به الرئیس فلادیمیر بوتین وکبار المسؤولین الروس أن المعرکة لم تعد فقط معرکة أمن قومی روسی وانما هی معرکة للحد من الهیمنة الأمیرکیة وهو ما تمّ التصریح عنه بعد شهرین من بدء العملیة لیتصاعد التصریح الى مرحلة تبنی شعار اسقاط الهیمنة الأمیرکیة وهو الذی بات اعتقادًا راسخًا لدى روسیا لا بدیل عنه للحفاظ على مجالات الأمن القومی لروسیا ودول کثیرة من بینها الصین بشکل أساسی.
اذن لا یمکن مقاربة المواجهة بشکل مقتصِر على الجانب العسکری وعلى جغرافیا أوکرانیا فقط وهو ما یفرض على الخبراء والمحللین الموضوعیین نمطًا محدّدًا من التحلیل یتجه نحو إجراء توصیف وتعریف دقیق لأسباب ومآلات هذه المواجهة ینطلق من حیثیاتها الحقیقیة ولیس فقط من خلال متابعة الوقائع المیدانیة التی استقرت منذ شهور على نمط العملیات التکتیکیة.
فی النتائج المباشرة وماذا تحقق من الأهداف الروسیة یمکن الجزم بأن ما تحقق حتى اللحظة هو مساحة مقبولة من النتائج الإیجابیة اکّد صحّة اطلاق العملیة وهی فی مضمونها عملیة دفاعیة استباقیة جنّبت روسیا القتال على حدودها ربطًا بالخطة الغربیة التی کانت تحضّر بواسطة الجیش الأوکرانی لعملیة اجتیاح لإقلیم الدونباس ووضعه من جدید تحت السیطرة الأوکرانیة علمًا أن الهجوم الأوکرانی کان مقرّرًا فی 27 شباط 2022 أی قبل العملیة العسکریة الروسیة بثلاثة أیام، وهو ما یمکن توصیفه بنجاحات مهمة لروسیا لأنها إضافة الى الحفاظ على ما کانت قوات لوغانسک ودونیتسک تسیطر علیه توسعت السیطرة لتشمل أغلب مناطق مقاطعتی خیرسون وزاباروجیا، ما یعنی أن القیادة الروسیة نقلت المعرکة إلى أرض العدو وهو الأمر الذی لا یزال مستمرًا.
فی الجانب العسکری وعلى الرغم من بعض الإخفاقات المیدانیة للجیش الروسی والتراجع الذی حصل فی مقاطعتی خارکوف وخیرسون الا أن العملیات اتجهت مجدّدًا الى بدء الجیش الروسی بعملیات هجوم تکتیکیة على کامل نقاط خط الدفاع الأوکرانی من سیفرسک شمالاً حتى جنوب زاباروجیا مروراً بارتیوموفسک ( باخموت ومارینکا وافییدیفکا) وصولاً حتى اوغلیدار والتی یمکن الجزم بأنها عملیات تهدیم وانهاک للقوات الأوکرانیة بدلیل الانهیارات التی حصلت فی سولیدار والتقدم الممنهج للجیش الروسی من سولیدار فی اتجاهات الشمال والغرب والجنوب وهو ما ساهم فی زیادة الطوق على ارتیموفسک التی أصبحت مطوقة فعلیًا وبات سقوطها مسألة حتمیة إضافة الى ما تنجزه الوحدات الروسیة على جبهة سیفرسک حیث تتقدم الیها الوحدات من اتجاهات الشرق والشمال والجنوب بالموازاة مع إعادة تفعیل جبهة کریمینیا حیث تتقدم الوحدات الروسیة بهدف العودة للتمرکز فی قطاع  یامبل – لیمان – کراسنی لیمان.
على اتجاه مدینة اوغلیدار تتعرض القوات الأوکرانیة لضغوط کبیرة ستؤدی فی النهایة لسقوط المدینة وتقدم الجیش الروسی الى تقاطع کوراخوف الإستراتیجی.
هذا على المستوى التکتیکی الحالی لکن لعدم الغرق فی الجوانب التکتیکیة ومحاولة حصر الجدل فیها کما یفعل اعلام الغرب الجماعی یجب التذکیر بأن روسیا سیطرت على حوالی سدس مساحة أوکرانیا وحوّلت بحر آزوف الى بحر روسی داخلی وتسیطر على نصف شواطئ أوکرانیا على البحر الأسود وهذه السیطرة فی الحقیقة هی إنجازات استراتیجیة لأنها غیّرت فی الجغرافیا الأوکرانیة ویمکن الجزم أنها تحول جیوسیاسی سیکون له تداعیات على العالم ککل ولیس روسیا فقط.
على المستوى السیاسی لا یختلف اثنان أنه رغم محاولة الغرب الجماعی حصار روسیا الا أن الأمور تسیر بشکل معاکس لرغباته، فروسیا باتت أکثر انفتاحًا على الصین وأکثر رسوخًا فی علاقاتها مع ترکیا وایران وأکثر انفتاحًا على معظم الدول العربیة ومن بینها على وجه الخصوص مصر ودول الخلیج الفارسی إضافة الى ترسیخها أکثر لعلاقاتها مع العدید من دول افریقیا وخصوصًا جنوب افریقیا وبالتأکید علاقاتها الجیدة بفنزویلا والبرازیل وغیرها من الدول. وبذلک لا یمکن لأحد الکلام عن حصار لروسیا وهو بحد ذاته انجاز کبیر ان لم نقل انتصارًا کبیرًا.
فی الجانب الاقتصادی روسیا هی الدولة الأقل تضررًا سواء بما یرتبط بالتضخم أو بسعر صرف العملة الروسیة أو بما یرتبط بتوسیع مجالات عقودها التجاریة وکذلک بما یرتبط بحجم البطالة على عکس الدول التی شارکت بالعقوبات وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبی. وفی الجانب الاقتصادی لم یعد خافیًا توجه روسیا والدول الصدیقة وهی نصف العالم، للتخلی تدریجیًا عن الدولار واعتماد العملات المحلیة فی التبادلات التجاریة وهو جانب ستکون له تأثیرات سلبیة على اقتصادات دول الغرب الجماعی وستبدو آثاره ظاهرة فی السنوات القادمة.
أمر آخر فی الجانب الاقتصادی وهو الاعتماد اکثر على الصناعة الوطنیة وتوسیع هوامش العلاقات الإنتاجیة الداخلیة وهو أمر وإن استغرق بضع سنوات إلا أنه سیحصن روسیا مستقبلاً بمواجهة أی هجمات اقتصادیة مهما کان حجمها.
من المؤکد أن المواجهة الدائرة فرضت على روسیا الکثیر من الإجراءات الصعبة ولکنها لم ولن تؤثر فی اعتقادی على الموضوع الأکثر خطورة وهو اکلاف المعیشة التی لا تزال کما هی بسبب احتواء روسیا على سلة کبیرة تفیض عن احتیاجاتها من المنتجات الغذائیة الأساسیة.
فی المحصلة یسود الاعتقاد ان هذه المواجهة لن تنتهی فی المنظور القریب وربما المتوسط وهی باتت معرکة عض أصابع یؤکد القادة الروس والمعطیات انها مهما طالت لا یمکن من خلالها تحقیق الهزیمة بروسیا خصوصًا أن سنة واحدة من زمن المواجهة کانت کفیلة باستعادة الشعب الروسی زخماً کبیراً بما یرتبط بالروح الوطنیة فالجنود والغالبیة الساحقة من المواطنین وخصوصًا جیل الشباب باتوا على قناعة أنها معرکتهم کما کانت معرکة ابائهم واجدادهم وان الرجوع الى الوراء سیکون بمثابة بدایة نهایة روسیا بثقافتها وتاریخها وأمجادها وهو ما سیفرض سیادة الشعار التاریخی للروس فی کل معارکهم: الى الأمام.
وبناء على کل ما تقدم من المؤکد أن الکثیر من الإخفاقات وتحدیدًا فی الأبعاد الإداریة والسیاسیة والمیدانیة یتم تخطیها والاستفادة من دروسها تحت ادراک واعٍ ان المعرکة طویلة ومن المهم عدم الغرق فی الإخفاقات وتجاوزها بعد أخذ العبر منها وهو ما فعله الروس فی کل تاریخهم الطویل.
 

Page Generated in 0.0638 sec